اختلف في الشيء الذي ارتفع به قوله: {مثل}، فمذهب سيبويه رحمه الله أن التقدير: فيما يتلى عليكم أو يقص: {مثل الذين كفروا}. ومذهب الكسائي والفراء: أنه ابتداء خبره {كرماد} والتقدير عندهم: مثل أعمال الذين كفروا كرماد، وقد حكي عن الفراء: أنه يرى إلغاء {مثل} وأن المعنى: الذين كفروا أعمالهم كرماد، وقيل: هو ابتداء و{أعمالهم} ابتداء ثان، و{كرماد} خبر الثاني، والجملة خبر الأول، وهذا عندي أرجح الأقوال وكأنك قلت: المتحصل مثالاً في النفس للذين كفروا هذه الجملة المذكورة، وهي: {أعمالهم كرماد}. وهذا يطرد عندي في قوله تعالى: {مثل الجنة} [الرعد: 35، محمد: 15]. وشبهت أعمال الكفرة ومساعيهم في فسادها وقت الحاجة وتلاشيها بالرماد الذي تذروه الريح، وتفرقه بشدتها حتى لا يبقى أثر، ولا يجتمع منه شيء، ووصف اليوم ب العصوف- وهي من صفة الريح بالحقيقة- لما كانت في اليوم، ومن هذا المعنى قول الشاعر [جرير]:لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى *** ونمت وما ليل المطي بنائمومنه قول الآخر:يومين غيمين ويوماً شمساً *** فأعمال الكفرة لتلاشيها لا يقدرون منها على شيء.وقرأ نافع وحده وأبو جعفر {الرياح} والباقون {الريح} بالإفراد وقد تقدم هذا ومعناه مستوفى بحمد الله.وقوله: {ذلك} إشارة إلى كونهم بهذه الحال، وعلى مثل هذا الغرور، و{الضلال البعيد} الذي قد تعمق فيه صاحبه وأبعد عن لاحب النجاة.وقرأ ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن أبي بكر {في يوم عاصف} بإضافة يوم إلى عاصف، وهذا بين، وقرأ السلمي: {ألم تر} بسكون الراء، بمعنى ألم تعلم من رؤية القلب. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: {خلق السماوات} وقرأ حمزة والكسائي {خالق السماوات} فوجه الأولى: أنه فعل قد مضى، فذكر كذلك، ووجه الثانية: أنه ك {فاطر السماوات والأرض} [الأنعام: 14 يوسف: 101 إبراهيم: 10 الزمر: 46 الشورى: 11] و{فالق الإصباح} [الأنعام: 96].وقوله: {بالحق} أي بما يحق في جوده، ومن جهة مصالح عباده، وإنفاذ سابق قضائه، ولتدل عليه وعلى قدرته. ثم توعد تبارك وتعالى بقوله: {إن يشأ يذهبكم} أي يعدمكم ويطمس آثاركم. وقوله: {بخلق جديد} يصح أن يريد: من فرق بني آدم، ويصح غير ذلك، وقوله: {وما ذلك على الله بعزيز} أي بممتنع.